سبحان الملك الغظيم الذي من عرفه خافه ، و ما أمن مكره قط من عرفه .
لقد تأملت أمراً عظيماً ، إنه عز وجل يمهل حتى كأنه يهمل ، فترى أيدي العصاة مطلقة كأنه لا مانع .
فإذا زاد الإنبساط ، و لم ترعو العقول ، أخذ أخذ جبار .
و إنما كان ذلك الإمهال ليبلو صبر الصابر ، و ليملي في الإمهال للظالم ، فيثبت هذا على صبره ، و يجزي هذا بقبيح فعله .
مع أن هنالك من الحلم في طي ذلك ما لا نعلمه .
فإذا أخذ عقوبة ، رأيت على كل غلطة تبعة .
و ربما جمعت فضرب العاصي بالحجر الدامغ .
و ربما خفي على الناس سبب عقوبته ، فقيل فلان من أهل الخير فما وجه ماجرى له ؟فيقول القدر : حدود لذنوب خفية ، صار إستيفاؤها ظاهراً .
فسبحان من ظهر حتى لا خفاء به ، و إستتر حتى كأنه لا يعرف .
و أمهل حتى طمع في مسامحته ، و ناقش حتى تحيرت العقول من مؤاخذته ، لا حول و لا قوة إلا با الله .
ابن الجوزي