وجه السيد علي بن أنيس الكافاعتناءه إلى نبش كتب التراث في مجال فعل الخير والإصلاح الحضرمي والكتابة عن أمراء وفرسان ذلك الميدان ، بإبراز كتاب العلامة المؤرخ محمد بن هاشم العلوي : [ تاريخ الثروة الكافية ورجالها ] ذلك الكتاب الذي كما ذكر الناشر في مقدمته يوثق لمآثر وحوادث هامة في السياسة والاقتصاد والاجتماع تتصل بعائلة (الكاف) المشهورة التي أحدثت نهضة كبيرة في حضرموت.
فصار الكتاب من أهم المصادر التي وثقت لدور شخص عصامي فذ كوّن في سنغافورا ثروة ضخمة ، ثم سخرها كلها في خدمة بلاده وشعبة راجيا ما عند الله : إنما نطعمكم لوجه الله * لا نريد منكم جزاء ولا شكورا وكان له الفضل الكبير في صياغة تاريخ الخير والإحسان ونهضة الإنسان وتنميته في حضرموت . وهو السيد شيخ بن عبدالرحمن الكاف وما يعجبني في كتابات الاستاذ النبيل علي أنيس فكره الثاقب السديد في إبراز أمراء الخير والإصلاح في أوساطنا وتاريخنا الحضرمي المعاصر والتي لا زالت قليل مقارنة بما تشبعت به المكتبات من كتابة عن أمراء الحرب والاقتتال والصراع الحضرمي المرير على الأرض أو على الجاه والمكانة .
لقد بذل المعتني مجهودا يشكر عليه في المقارنة بين حوالي أربع نسخ مخطوطة من كتاب ابن هاشم وواحدة مطبوعة على الكمبيوتر في كل واحدة منهن نقص أو زيادة قام بمقابلتها حتى استقام العمل وبلغ أشده واعترف للأمانة العلمية بشطب بعض العبارات للمراعاة والمصلحة والمشورة ومع ذلك بين ذلك في محاله . الكتاب جاء في 222 صفحة صادر عن مركز تريم للدراسات والنشر ، وتوزيع مكتبة تريم الحديثة . والشيء الطيب هو وعد المركز الناشر خدمة للتراث أنه : سيوالي إصداراته التي بدأها للأستاذ ابن هاشم لتكون في متناول رواد المعرفة والدارسين ، فقريبا كما وعد سيظهر إلى النور كتاب : رحلة إلى الثغربين الشحر والمكلا ، على أن ينجزوا جلّ تراثه تباعا إن شاء الله . من هو الأستاذ العلامة المؤرخ محمد بن هاشم بن طاهر ؟ بدأ ا الكتاب الذي نحن بصدده بترجمة للأستاذ العلامة المؤرخ : محمد بن هاشم بن طاهر العلوي والذي ولد في قرية المسيلة جنوب تريم سنة 1300هـ الموافق 1883م في بيت علم فنبغ منذ صغره ، وتتلمذ على يد علماء حضرموت ومنهم : العلامة عبد الله بن عمر الشاطري في رباط تريم ، وأخذ عن الفقيه محمد بن عثمان بن عقيل بن يحيى ، والعلامة أبوبكر بن عبد الرحمن بن شهاب ، ومحمد بن عقيل بن يحيى ، واتصل بالإمام علي بن محمد بن حسين الحبشي وأخيه المحدث حسين والعلامة عبد الله بن محسن بن علوي السقاف والفقيه طه بن عبد القادر السقاف وغيرهم غفر الله لهم جميعا . ثم هاجر إلى جاوة باندونيسيا سنة 1325هـ الموافق 1907م ، وتولى إدارة مدرسة (المنّور) ثم مدرسة ( جمعية خير ) ، وأسس مدرسة ( شمائل الهدى ) ، وفي مدينة (سوربايا) أسس مدرسة ( حضرموت ) واهتم بالعمل الصحفي وكتب سلسلة مقالات في صحيفة ( الإصلاح بسنغافورة) ومجلة (المنار )التي تصدر في مصر لصاحبها رشيد رضا . وأصدر في مدينة (بتاوي) جريدته الخاصة (البشير) بالعربية والملاوية ، ومجلة (مرآة الإسلام) بالملاوية ، واتفق مع غيره في إصدار جريدة ( الميزان) في مدينة (بندوغ) ، وأصبح رئيس تحرير جريدة ( الإقبال ) في ( سوربايا) سنة 1334هـ /1916م ثم اختير رئيسا للبعثة التعليمية المكونة من بضعة عشر طالبا حضرميا إلى مصر في شوال 1334هـ فاستمر هناك في مواصلة نشاطه الصحفي في صحيفة ( السياسة ) وألقى محاضرة بدار نقابة الموظفين عن : (إقليم حضرموت) وأخرى بدار الرابطة الشرقية عن (جاوة وأهلها ) . ثم عاد إلى حضرموت أواخر سنة 1344هـ بصحبة شيخه محمد بن عقيل ، فطلب منه السادة آل الكاف الاستقرار بها ليسهم في بناء نهضتها الحديثة فباشر عمله في الإصلاح منذ مطلع سنة 1346هـ /1928م فكان ممن اختيروا لمجلس إدارة مدرسة الكاف الخيرية التي تأسست في رجب سنة 1351هـ وباشر التدريس فيها . وأسهم في تأسيس نادي (الشبيبة المتحدة) بتريم سنة 1350هـ / 1931م وكان يحاضر فيه لتوعية الأهالي ، ومن أهم محاضراته : رحلة الثغرين ، دخول الزيدية إلى حضرموت ، حضرموت في القرن الثالث عشر الهجري ، نزهة بين النجوم (فلكية) الأغاني في حضرموت وألحانها ، ومحاضرة بعنوان : نحو إتحاد حضرموت ، ألقاها في قصر المنصورة ، حضرها الكثير من أعيان والمثقفين . وساهم في تأسيس نادي ( الإخاء الأدبي ) سنة 1351هـ . وكتب في المجلات الصادرة في : تريم : مجلة عكاظ ، والأخاء . وفي سيئون : مجلة زهرة الشباب والنهضة ، وفي المسيلة مجلة الحلبة . ولذلك تربع عرش الصحافة الحضرمية بجدارة ، وهو : أستاذها وشيخها ومقدمها بكل كفاءة . وحاز ثقة السلطان المثقف علي بن منصور الكثيري غفر الله لهم فصار مستشاره وسكرتيره . وثقة السلطان الذي ينسب إلي بناء مجد حضرموت المعاصر صالح بن غالب القعيطي فعُيِّنَ أمين سر لجنة أمان حضرموت التي شكلها السلطانان سنة 1355هـ /1936م للفصل في أية قضية نزاع بين القبائل الموقعة على اتفاقية الهدنة التي مهدت للإصلاحات الحضرمية اللاحقة . من أهم مؤلفاته : 1) تاريخ الدولة الكثيرية . 2) رحلة الثغرين الشحر والمكلا . 3) دروس في الطبيعة ( كتاب تعليمي) 4) مدارج الإنشاء ( كتاب تعليمي) 5) تاريخ الثروة الكافية ورجالها . 6) الحكم والأمثال الحضرمية 7) أدب اللغة الدارجة ( مخطوط ) النباتات والحبوب المتداولة في أدوية الطب اليوناني ( مخطوط ) 9) دروس في الفلك ( مخطوط ) 10) شرح موجز لوصية السيد شيخ الكاف . استقر آخر حياته بمدينة تريم وحط بها ركابه بعد حياة حافلة بالعطاء ، حتى توفي سنة 1380هـ / 1960م غفر الله له وأسكنه فسيح جناته ودار إقامته وكتابه الذي بين أيدينا : الدور الكافي المسمى تاريخ الثروة الكافية ورجالها ، تناول فيه تاريخ أسرة من أعرق الأسر الحضرمية خدمة للتنمية المجتمعية بحضرموت واعتنى الاستاذ النبيل : علي أنيس الكاف بهذا الكتاب فأخرجه إلى النور من جديد ، وهو كتاب يتناول خمس شخصيات من أسرة واحدة كان لها فضل وإحسان وأيادي بيضاء في تاريخ حضرموت المعاصر لأكثر من سبعين عاما ، وبإسهاب ، على رأسهم شيخ بن عبد الرحمن بن أحمد الكاف سلك أسلوب توريث الأخلاق الفاضلة نهجا في حياته ، فخلف رجالا حملهم على الاتصال بطبقات الهمم العالية والأخلاق الراقية ، أرباب المجد والسؤدد ، سلوكا ومكانة وعلما ، مغرس الفضيلة : فاصطبغوا بصبغته ، رفعوا منار قيمه ، وشادوا قصور مجده وما تقر به عينه ، وترتاح له روحه . وتلاه بعشر شخصيات من نفس الأسرة لا تقل أهمية عن سابقتها ولكن بإسهاب أقل يكفيهم أنهم من أصحاب الثراء البررة ونعم المال الصالح للرجل الصالح ، وعدد كبير آخر من أفراد أسرة آل الكاف كان لهم إسهامات في ثقافة وفكر المجتمع الحضرمي المعاصر ، كما تناول سير شخصيات أخرى ذات صلة : منهم السيد عبد الرحمن بن محمد المشهور ( 1250هـ ـ 1330هـ) الذي كان يقرأ كل يوم 12 درسا على أساتذته في فنون مختلفة ، وفوق ذلك يجوب البراري ماشيا على قدميه إلى المسيلة وسيئون وذي أصبح وتريس وشبام ودوعن يلتقط الحكمة والمعارف من أفواه الرجال ، ويعجب المرء من جده واجتهاده علما وعملا مع قيامه بإدارة شؤونه الحياتيه اليومية مع زهد وصيام ونسك ، ثم تفرغ للتدريس صباحا ومساء يحضرها كبار العلماء والأمراء فمن دونهم ، وتربع منصة الإفتاء إلى جانب التوجيه والإرشاد ، وصار يشار له بالبنان ، وحق له ذلك فالبدايات المحرقة تكون ثمارها نهايات مشرقة . له رسائل مفيدة منها : بغية المسترشدين ( في الفتاوى ) ، تخرج على يديه الكثير من أعيان حضرموت وعلمائها غفر الله له وأسكنه فسيح جناته . وممن تناوله المؤلف من خارج الأسرة الكافية ممن اتصل بها السلطانين المثقفين أساسا ركني نهضة حضرموت المعاصرة مع السيد أبوبكر بن شيخ الكاف وآخرون وهما : أولهما : السلطان علي بن منصور الكثيري غفر الله له ( ت : 1357هـ إثر نوبة قلبية مفاجئة ) بعد حياة حافلة بالعطاء بدأها بمثابرته على حضور مجالس رباط السيد الهامام وعلم الأعلام الحضرمية علي بن محمد بن حسين الحبشي غفر الله له ، وأدار سلطنته أحسن إدارة ، فهو ذو موهبة في حسن الإدارة وخبرة بحل المشكلات ودراسة طباع الناس ن له برناج يومي في حياته لا يتركه يبدأ قبل الفجر وينتهي بعد العشاء مقسما بين ما لربه وما لخاصته ورعيته ، ووجه عنايته إلى الزراعة والبعثات التعليمية إلى مصر والعراق وثانيهما : السلطان صالح بن غالب القعيطي غفر الله له ، الرجل الاجتماعي الذي تولى السلطنة القعيطية فاستبشر به الحضارم في الداخل والخارج لدماثة أخلاقة وسعة علمه وثقافته فهو يتقن خمس لغات يحب الأدب ، ويجيد الأعمال اليدوية رسما وموسيقى وتصويرا ويباشر أفلام السينما بنفسه . والكتاب على كل حال أنموذجا فريدا في كتابة سير أرباب الأموال الذين سخروها في بناء مجد أمتهم ، فبينما أوغل كتاب التراجم والمناقب من الحضارم في إبراز الجوانب الذاتية والكرمات الخاصة بمن يترجمون له وغيرها من الجوانب التي لا تمس التنمية المجتمعية بحال ، والأصل أنها ترشح من سير أولئك الرجال بعض نفائس العصر التي يحتاج التقاطها لتدقيق بما يخدم النهوض بهذا الإنسان المعاصر لا تنويمه ، نجد الكتاب الذي بين أيدينا ، بل وكتب الولد علي أنيس كلها تصب وتلامس جوانب التنمية للإنسان الحضرمي ودور رجاله الذين يكتب عن سيرهم ومناقبهم وكراماتهم ، في رفع كفاءة وقدرات ومهارات الحضرمي والأخذ بيده في سلم التقدم والنمو والازدهار وصدق الله القائل سبحانه ( تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ) .