عميد الأسرة الكافية السيد عبدالرحمن بن شيخ الكاف في كتاب متميز وفريد

مؤرخينا اهتمامهم بتاريخ الحروب والصراع والمآسي فأرخوا لرجالها واهتموا بإبراز أحداثها ، فإن هذا الكتاب الذي بين أيدينا متميز وفريد من وجوه أهمها :
أولا : أنه يؤرخ لأثريا وعظماء ورجال كبار في السنام العالي في أهل البر والإحسان ، صنعوا تاريخا وجسدوا رسالة هذه الأمة التي ارتضاها الله لها حين وضعوا ووظفوا ثرواتهم لفعل الخيرات وصنائع المعروف ، فصبت في تنمية العقول وتثقيفها ، وعلاج أمراض الأبدان وأسقامها ، وسد الحاجات وتكميلها ، وتطوير البلاد وإنعاش اقتصادها ، فجسدوا حديث النبي  الذي جاء فيه : ( نعم المال الصالح للرجل الصالح ) .
ثانيا : والكتاب كما أراد له مصنفه مصدرا يبعث الهمم لفعل الخير ، ويعرف أجيالنا والأجيال اللاحقة بما قام به هؤلاء القدوات من المحسنين ليكونوا لمن خلفهم أسوة حسنة .
وثالثا : ومما يعطي الكتاب ميزة فريدة أنه يأتي ليضيف إلى المكتبة اليمنية رصيدا جديدا لدور رجالات أسرة جمعت أموالا كثيرة في المهجر وسخرت ما جمعت في بناء صروح مجد حضرمي يمني فقامت بأعمال كبيرة خدمت بها نهضة حضرموت المعاصرة ، في وقت نحن نشاهد فيه بأم أعيننا اليوم من يهرب ثروات البلاد من الداخل إلى الخارج فيستودعها بنوك أعداء الأمة المتآمرين عليها !؟
رابعا : أن الكتاب يسجل الدور التجديدي لأسرة حضرمية ترك غيرها يتصارع على فتات هذه الدنيا ويلهث طلبا بماله للسلطان والجاه فلم تزاحم عليها ولا تطمع فيها ، بل اتجهت إلى صنائع المعروف ليس في مجال واحد ولكن في كل مجالات الحياة العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية ، فجاءتها الدنيا صاغرة وجاءها الجاه وهي منشغلة عنه بغيرها !؟ فنبغ منها أفراد في مجالات العلم والفن والأدب لن يكون مصنف الكتاب الولد الألمعي علي أنيس الكاف آخرهم إن شاء الله .
خامسا : جاء الكتاب في 292صفحة متضمنا أربعة فصول وملحقين :
الفصل الأول : واشتمل على تعريف بأسرة آل الكاف العريقة ، تلك الأسرة التي اشتهرت بالعلم والخير والصلاح والأدب والتجارة والفن ، وكان منها الزعماء المصلحون أصحاب الأدوار الرائدة والأعمال الخالدة خاصة في نهضة حضرموت الحديثة سياسيا وأمنيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا تلك الأسرة التي استوطنت مدينة تريم إلى جانب مناطق أخرى كثيرة داخل اليمن وخارجها .
وكان من أبرز رجالاتها السيد شيخ بن عبد الرحمن الكاف والد المُتَرْجَمِ له مكون الثروة الكافية أحد الناجحين في الحياة ، عاش مع أبيه حياة شظف وفقر مدقع فلم يرض عنه أو يستسلم للأمر الواقع بل انطلق يبحث عن سُلَّم المجد فيصعده من أول درجاته حين طلب العلم الشريف فدرس القرءان وحفظه ، ثم تتلمذ على شيوخ العلم ومرشديه بحضرموت ، وولع بالنساخة في أيام طلبه فكان يقتات من أجرة عمله في نسخ الكتب ! ثم عنّ له أن يسافر إلى سنغافورا وقد ناهز العشرين من عمره ويعمل هناك كاتبا براتب شهري زهيد ، ثم يدخل معترك الحياة التجارية وكان موفقا قد كون ثروة ضخمة هناك لا زالت آثارها شاهدة في سنغافورا على ذلك إلى يومنا هذا مما حدا بحكومتها أن تضع له تمثالا في متحف (جزيرة سانتوسا) تكريما لأدواره في نهضة اقتصادها . ومن أفرادها صاحب الترجمة السيد عبد الرحمن بن شيخ .
الفصل الثاني : ويحتوي على سجل الأعمال الخيرية التي قدمها عميد الأسرة الكافية السيد عبد الرحمن بن شيخ الكاف لحضرموت التي بدأها وعمره 28سنة ، ومن أهمها : بناء المدارس الخيرية في كل من تريم وسيئون ، ومستشفى الكاف الخيري بتريم التي تأسست عام 1355هـ الموافق 1936م وأغلقت بعد مصادرة كل المعدات الطبية فيها حوالي عام 1970م والتي تحتاج من يلتفت إلى أطلالها اليوم قبل أن تزول معالمها ليعيد لها الدور الريادي الذي بدأته في مطلع النهضة الحضرمية ، وإنشاء مكتبات الكاف بتريم وسيئون ، وبناء المساجد ، وإنشاء مجلس الإفتاء ، وطباعة كتب العلم النافع ، وتعبيد الطرق التي تربط بين الساحل والوادي وبين بعض مناطق الوادي ، وحفر الآبار وبناء السدود ، وتطوير الزراعة ، وللأسرة أولويات منها : إدخال السيارات والكهرباء والتليفون والراديو والثلاجات إلى حضرموت ، وهم أول من أسس الجمعيات وغيرها .. وكانت للسيد عبد الرحمن جهودا في الإصلاح السياسي أيضا .
الفصل الثالث : ويتناول شخصية السيد عبد الرحمن بن شيخ ، أخلاقه ومشاركاته وجهوده مع إخوانه أهل الحل والعقد في البلد، وشخصيات لها مكانة في حياته ، ثم وفاته ظهر يوم الخميس 13شوال 1367هـ الموافق 1948م عن عمر ناهز ثلاث وستين عاما أمضاه في فعل الخيرات وصنائع المعروف غفر له ولأصوله وفروعه ورحمهم رحمة الأبرار وجزءهم عنا كل خير .
الفصل الرابع : وفيه مختارات من الكلمات والقصائد التي قيلت فيه أثناء حياته ، أو في رثائه بعد موته .
أما الملحقان بالكتاب :
فالملحق الأول : ويحتوي على وثائق وصور نادرة .
والملحق الثاني : ويتضمن شرح لوصية السيد شيخ الكاف لولديه عبد الرحمن وأبي بكر عند سفرهما من حضرموت إلى سنغافورا سنة 1325هـ وترجمة موجزة للكتاب إلى اللغة الإنجليزية .
أسأل الله العلي العظيم أن ينفع بهذا الكتاب كل من يقرأه ، فهو كتاب قيم وإضافة علمية موضوعية إلى رصيد الفكر والثقافة اليمنية المعاصرة لن يستغني عنه طلاب المعرفة ورواد الفكر والثقافة والأدب ، ومثله حري بالتشجيع ، وأسأله جل جلاله أن يثيب المصنف خيرا على جهده وتعبه في متابعة جمع المعلومات وترتيبها بهذا الشكل اللطيف الطيب والأسلوب الشيق الجميل ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .